أحمد بهجة
لولا بضع مداخلات جادة وموزونة لعدد محدود من النواب في جلسات مناقشة الحكومة التي عُقدت في المجلس النيابي الأسبوع الفائت، لكانت الجلسات التي نُقلت مباشرة على شاشات التلفزيون أشبه بوضع الماء في سلّة مثقوبة، بمعنى أنّ الخطابات الرنانة و"الخناقات" العالية السقف كان الهدف منها فقط لفت انتباه الناخبين والقول "نحن هنا"!
طبعاً هناك الكثير من المواطنين لم يتابعوا وقائع المناقشات، وهذا أمر مفهوم جداً في ظلّ كثرة الكلام وغياب الأفعال طوال السنين الماضية. لكن إذا سألنا أيّ مواطن من الذين تابعوا الجلسات فإنه في اليوم التالي بالكاد يتذكّر كلام بضعة نواب قد لا يزيدون عن عدد أصابع اليد الواحدة، وهذا أيضاً أمر طبيعي ومفهوم لأنّ كلام البقية قد تبخّر في الهواء (والجلسات كانت على الهواء) وذهب إلى أدراج النسيان.
نسيَ معظم النواب مشاكل البلد وأزماته الشائكة والمعقدة، واهتمّوا فقط بأمر واحد هو سلاح المقاومة! وهنا لا نتّهم أحداً ولا نفتري على أحد إذا قلنا بصريح العبارة إنّ ما قيل عن السلاح في الجلسات النيابية ليس سوى تنفيذ لإملاءات خارجية لا علاقة لها بمصلحة لبنان واللبنانيين.
وها هي الأحداث الأخيرة في سورية وبشكل خاص في السويداء، وقبل ذلك في الساحل السوري، تؤكد ما نشير إليه، لأنّ المطالبين في الداخل بـ "نزع" سلاح المقاومة ساروا خلف المطالبين بذلك من الخارج بدون أيّ ضمانات أو بدائل لحماية الناس في مواجهة أيّ تطورات مشابهة قد تستهدف اللبنانيين، وهو ما حصل في السابق أكثر من مرة وكان سلاح المقاومة في المواجهة، سواء ضدّ العدو الصهيوني أو ضدّ المجموعات الإرهابية المسلحة التي حاولت الدخول إلى لبنان عبر نقاط عديدة في البقاع.
كيف يمكن لمسؤول لبناني (حكومي أو نيابي أو حزبي!) أن يطالب بـ "نزع" سلاح المقاومة قبل توفير المقوّمات اللازمة لحماية لبنان، في حين أنّ البلد مكشوف على مخاطر لا تعدّ ولا تحصى؟ إنّ مَن يرفع مثل هذا المطلب لا يمكن أن تكون لديه ذرّة واحدة من المسؤولية الوطنية، بل فقط هو ينفذ أجندات خارجية لا يريد أصحابها سوى تحقيق مصلحة العدو "الإسرائيلي" وجعله قادراً على تنفيذ المزيد من الاستباحة للبلد، كما نراه يفعل في سورية!
قبل أحداث السويداء دعانا الموفد الأميركي توم برّاك (الذي وصل إلى لبنان أمس الأحد) إلى أن نفعل مثل سورية ونلتحق بمسيرة الاتفاقات الابراهيمية قبل أن يفوت الأوان، وها نحن نشاهد بأمّ العين ماذا تجني سورية من التحاقها بتلك الاتفاقات، ولذلك علينا أن نعمل ما في وسعنا لكي يفوت علينا الأوان بالفعل حتى لا نلتحق بتلك الكوارث.
أما عن النواب الأشاوس، فما عليكم سوى نسيان كلّ كلامكم عن السلاح، وترك الأمر لمعالجات عاقلة كما يفعل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وتركيز خطاباتكم من الآن حتى الانتخابات النيابية المقبلة في شهر أيار 2026 على الأمور التي تفيد الناس، وأن ترفعوا الصوت عالياً مطالبين بإعادة الودائع لأصحابها ومحاسبة كلّ الذين ارتكبوا جرائم تهريب الأموال بملايين الدولارات إلى الخارج في وقت لا يستطيع المودع الحصول على فتات الفتات من ماله الخاص الذي ادّخره إلى وقت الحاجة، وعندما أتت الحاجة وجد نفسه على الأرض يا حكم، وعلى قول الفنان غسان الرحباني "معه وما معه"!
كذلك على النواب الأكارم الاهتمام بموضوع الكهرباء حيث لم يلمس اللبنانيون أيّ تغيير على هذا الصعيد رغم ما قيل عن قدرة الفريق الذي تسلّم الوزارة على صنع المعجزات، بينما المطلوب فعلياً تنفيذ الخطة التي وضعها الوزير السابق الدكتور وليد فياض لأنها كانت قد بدأت تعطي النتائج المرجوّة، وهي بحاجة إلى استكمال حتى تعطي النتائج الكاملة.
وهناك الكثير من الملفات والمشاكل التي تحتاج إلى متابعة وجهود كبيرة وربما ضغوط أيضاً لكي تتأمّن لها الحلول المطلوبة، لأننا في لبنان "كيف ما ضربنا إيدنا" نجد أمامنا أزمة أو مشكلة، وهذا ينطبق على التربية والصحة والقضاء والمياه والاتصالات والمحروقات والنفايات والبيئة وغيرها، فضلاً عن الاهتمام المطلوب أن يتضاعف بقطاعات الإنتاج وهي التي يُقال عنا إنها قطاعات الاقتصاد الحقيقي، أيّ الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات...
وهذه كلّها قضايا لا بدّ من العودة إليها في مقالات لاحقة...